السبت، 28 مارس 2020

🎼🎼🎼🎼🎼🎼🎼🎼🎼🎼🎼

صايا النبي صلى الله عليه و سلم
نظرة الإسلام إلى المال


عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم
قال  إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض
قيل  ما بركات الأرض ؟
قال  زهرة الدنيا
فقال له الرجل  هل يأتي الخير بالشر ؟
فصمت رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى ظننت أنه سينزل عليه ثم جعل يمسح عن جبينه  قال  أين السائل ؟
قال  أنا
قال  لا يأتي الخير إلا بالخير إن هذا المال خضرة حلوة وإن كل ما أثبت الربيع  يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت الشمس فاجترت وثلطت وبالت ثم عادت فأكلت وإن هذا المال خضرة حلوة من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو وإن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع

المحدث  البخاري  المصدر  صحيح البخاري  الصفحة أو الرقم  1465  خلاصة حكم المحدث  صحيح

🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉

شرح الحديث الشريف
وإنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ أي  شيءٌ محبوبٌ مرغوبٌ ترغَبُه النَّفسُ  وتحرِصُ عليه بطبيعتِها  كما تحبُّ الفاكهةَ النَّضرةَ  الشَّهيةَ المنظرِ  الحُلوةَ  المذاقِ  ومَن أُعطِيَه فأخرَج منه زكاةَ مالِه على المسكينِ واليتيمِ  وابنِ السَّبيل  فهو نِعم الصاحبُ الَّذي يشهدُ له يومَ القيامة  وأمَّا مَن أخَذه بدون طِيبِ نفسٍ وبغيرِ حقِّه، فإنَّ اللهَ ينزِعُ منه البركةَ ويسلُبُ صاحبَه القناعةَ فيُصبِح فقيرَ النَّفسِ دائمًا  ولو أُعطي كنوزَ الأرضِ وكان كالَّذي يأكُلُ ولا يشبَعُ  فهو كالملهوفِ الَّذي لا يشبَعُ مِن الطعامِ مهما يأكُل منه
ويأتي شاهدًا عليه يومَ القيامة

قال ابن الأثير معلقا على هذا الحديث  وفى هذا الحديث مثلان
أحدهما  للمفرط في جمع الدنيا
والآخر  للمقتصد في أخذها والانتفاع  بها فأما قوله  وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم
فإنه مثل للمفرط الذي يأخذ الدنيا بغير حقها  وذلك أن الربيع  ينبت أحرار البقول  فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه  حتى تنتفخ  بطونها عند مجاوزتها  حد الاحتمال  فتنشق أمعاؤها  من ذلك فتهلك أو تقارب الهلاك

وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حقها ويمنعها من حقها  قد تعرض للهلاك في الآخرة  لا بل في الدنيا

وأما مثل المقتصد  فقوله  إلا آكلة الخضر
وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي أمطاره فتحسن وتنعم  ولكنه من التي ترعها المواشي بعد هيج البقول ويسها  حيث لا تجد سواها
وتسميها العرب  الجنبة  فلا ترى الماشية تكثر من آكلها ولا تستمرئها  فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلا لمن يقتصر في أخذ الدنيا وجمعها  ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها  فهو ينجو من وبالها  كما نجت آكلة الخضر  ألا تراه قال  أكلت  حتى إذا مدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس  فثلطت وبالت أراد أنها شبعت منها بركت مستقبلة عين الشمس تستمرئ بذلك ما أكلت وتجتر وتثلط فإذا ثلطت فقد زال عنها الحبط وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلئ بطونها ولا تثلط ولا تبول فيعرض لها المرض فتهلك

أخي المسلم   كان النبي صلي الله عليه وسلم يتخوف على أمته من فتح الدنيا عليهم  فيخاف الافتتان بها

فعن عمرو بن عوف  أن النبي صلي الله عليه وسلم قال للأنصار لما جاءه مال من البحرين
أبشروا وأملوا ما يسركم  فوالله ما الفقر أخشى عليكم  ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم بسطت على من كان قبلكم  فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم وكان آخر خطبة خطبها على المنبر حذر فيها من زهرة الدنيا
فعن عقبة بن عامر أن النبي صلي الله عليه وسلم صعد المنبر
فقال  إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدى  ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها فتقتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم  قال عقبة  فكان آخر ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم على المنبر
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلي الله عليه وسلم قال   إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم  أي قوم أنتم ؟

فقال عبد الرحمن بن عوف  نقول كما أمرنا الله عز وجل
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم  أو غير ذلك تتنافسون  ثم تتحاسدون  ثم تتدابرون  ثم تتباغضون
وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال
لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقي الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة قال عمر  وأنا أشفق من ذلك
وعن أبى ذر رضي الله عنه  أن أعرابيا قال  يا رسول الله ! أكلتنا الضبع  يعني السنة والجدب
فقال النبي صلي الله عليه وسلم  غير ذلك أخوف مني عليكم حين تصب عليكم الدنيا صبا  فليت أمتي لا يلبسون الذهب
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم  ولكل أمة فتنة  وإن فتنة أمتي المال

شرح الحديث

وقوله صلي الله عليه وسلم  إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض ثم فسره بزهرة الدنيا
ومراده   ما يفتح على أمته منها من ملك فارس والروم وغيرهم من الكفار الذين ورثت هذه الأمة ديارهم وأموالهم وأراضيهم التي تخرج منها زروعهم وثمارهم وأنهارهم ومعادنهم  وغير ذلك مما يخرج من بركات الأرض  وهذا من أعظم المعجزات  وهو إخباره بظهور أمته على كنوز فارس والروم وأموالهم وديارهم  ووقع على ما أخبر به  ولكنه سمي ذلك  بركات الأرض) وأخبر أنه  (أخوف ما يخاف عليهم) أشكل ذلك على بعض من سمعه حيث سماه بركة ثم خاف منه أشد الخوف فإن البركة إنما هي خير ورحمة

وقد سمي الله تعال المال خيرا في مواضع كثيرة من القرآن  فقال  (وأنه لحب الخير لشديد)
وقال   (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين)
وقال تعالى عن سليمان علية السلام  (إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي)


فلما سأله السائل : هل يأتي الخير بالشر ؟ صمت النبي صلي الله عليه وسلم حتى ظنوا أنه أوحى إليه  والظاهر أن الأمر كان كذلك  ويدل عليه أنه ورد في رواية لمسلم في هذا الحديث
فأفاق يمسح عنه الرحضاء) وهو العرق وكان النبي صلي الله عليه وسلم إذا أوحى إليه يتحدر منه مثل الجمان من العروق من شدة الوحي وثقله عليه  وفى هذا دليل على أنه صلي الله عليه وسلم كان إذا سئل عن شيء لم يكن أوحى إليه فيه شيء انتظر الوحي فيه  ولم يتكلم فيه بشيء حتى يوحي إليه فيه  فلما نزل عليه جواب ما سئل عنه ، قال  أين السائل ؟
قال  ها أنا
قال  إن الخير لا يأتي إلا بالخير
وفي رواية لمسلم  فقال  أو خير هو
وفي ذلك دليل على أن المال ليس بخير على الإطلاق  بل منه خير ومنه شر
ثم ضرب مثل المال ومثل من يأخذه بحقه ويصرفه في حقه ومن يأخذه من غير حقه ويصرفه في غير حقه فالمال في حق الأول خير ، وفي الثاني شر فتبين بهذا أن المال ليس بخير مطلق ، بل هو خير مقيد فإن استعان به المؤمن على ما ينفعه في أخيرا له وإلا كان شرا له

فأما المال ، فقال : " إنه خضرة حلوة " وقد وصف المال والدنيا بهذا الوصف في أحاديث كثيرة
ففي الصحيحين عن حكيم بن حزام أنه سأل النبي صلي الله عليه وسلم فأعطاه ثم سأله فأعطاه ثم سأله فقال له النبي صلي الله عليه وسلم : (يا حكيم ! إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع)

وفي صحيح مسلم عن أبى سعيد رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فبها ، فناظر كيف تعلمون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" واستخلافهم فيها هو ما أورثهم الله منها مما كان في أيدى الأمم من قبلهم كفارس والروم ، وحذرهم من فتنه الدنيا ، وفتنه النساء خصوصا ، فإن النساء أول ما ذكره الله تعالى من شهوات الدنيا ومتاعها في قوله تعالى : (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) - سورة ال عمران اية 14
وعن عمرة بنت الحارث رضي الله عنه قالت  قال رسول الله صلي الله عليه وسلم  الدنيا حلوة خضرة  فمن أخذها بحقها بارك الله له فيها  ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة وفي المعنى أحاديث أخر


وقوله صلي الله عليه وسلم  إن مما ينبت الربيع يقتل حبطا  أ, يلم  إلا آكلة الخضر  مثل آخر ضربه النبي صلي الله عليه وسلم لزهرة الدنيا وبهجة منظرها نعيمها وحلاوته في النفوس  فمثله كمثل نبات الربيع  وهو المرعى الخضر الذي  ينبت في زمان الربيع  فإنه يعجب الدواب التي ترعى فيه وتستطيبه وتكثر من الأكل منه أكثر من قدر حاجتها  لا ستحلائها له  فإما أن يقتلها فتهلك وتموت حبطا  والحبط  انتفاخ البطن من كثرة الأول  أو يقارب قتلها ويلم به  فتمرض منه مرضا مخوفا مقاربا للموت

فهذا مثل من يأخذ من الدنيا بشره وجوع  نفس من حيث لاحت له لا بقليل يقنع  ولا بكثير يشبع  ولا يحلل ولا يحرم  بل الحلال عنده ما يحل بيده وقدر عليه  والحرام عنده ما منع منه وعجز عنه  فهذا هو المتخوض في مال الله ورسوله فيما شاءت نفسه  وليس له إلا النار يوم القيامة والمراد بمال الله ومال رسوله الأموال التي يجب على ولاة الأمور حفظها وصفها في طاعة الله ورسوله من أموال الفيء  والغنائم ويتبع ذلك مال الخراج والجزية  وكذلك أموال الصدقات التي تصرف للفقراء والمساكين  كمال الزكاة والوقف ونحو ذلك وفي هذا تنيه على أن من تخوض من الدنيا في الأموال المحرم أكلها  كمال الربا  ومال الأتيام الذي من أكله أكل نارا  والمغصوب  والسرقة  والغش في البيوع  والخداع المكر وجحد الأمانات والدعاوى البطلة  ونحوها من الحيل المحرمة  أولى أن يتخوض صاحبها في نار جهنم غدا  فكل هذه الأموال وما أشبهها يتوسع بها أهلها في الدنيا ويتلذون بها ويتوصلون بها إلى لذات الدنيا وشهواتها  ثم ينقلب ذلك بعد موتهم فيصير جمرا من جمر جهنم في بطونهم  فما تفي لذتها بتبعتها  كما قيل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق